لاشك أن العرب والمسلمين قد نجحوا في إدخال بعض عاداتهم إلى هنا، كالخبز العربي، والشاورما ، والموسيقى والرقص ، والمدارس العربية والمراكز الإسلامية .
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل إقامة مدرسة أو بناء مسجد يسهم في الاندماج أم انه يكرس الانعزال؟ بالطبع نحن لا نقصد هنا بناء المدرسة او المسجد كمبنى ومكان ،وإنما تلك الأرضية الفكرية للمسجد والمدرسة حيث ستناقش هناك بعض القضايا وبحرية تامة
في رومانيا يقال ان هناك أكثر من 40 ألف مسلم اغلبهم من التتار والأتراك والمقدون ، ولكن فقط ما يقارب ال 20% منهم ينضم تحت لواء دار الإفتاء، والمنظمات والجمعيات إسلامية ، والباقي غير منظمين، بعضهم ملحد ، والآخر غير ملتزم ، أو غير معني.
ثقافة اغلب المسلمين الذين تم إحصائهم هنا ليست عربية بالضرورة ، ونستطيع أن نقول أنها ليست إسلامية أيضا ، بل أن بعض المصنفين مسلمين عددا يعمل ضد التقاليد والأعراف والتعاليم الإسلامية . أي أن عدد المسلمين الفعلي يقل عن ذلك العدد الإحصائي بكثير .
اغلب من يتردد إلى المراكز الإسلامية هم من المسلمين الوافدين ،ويتميز المسلمون الوافدون بأنهم وباعتراف الجهات الرسمية الرومانية مسالمون، غير متعصبون ، وخاصة أبناء الجيل الثاني منهم ، ولكن مع ذلك فهم مطالبون دائما بالدفاع عن أنفسهم ضد تهم خلقتها السياسات الدولية لأغراضها ومصالحها الخاصة
ودائما يعانون من صعوبة حيازة الجنسية الرومانية والتي هي إحدى أهم شروط الاندماج في المجتمع الروماني.
وبالتعاون مع المؤسسات العربية الأخرى العاملة على الساحة -رغم ضعفها- قد نتمكن من تحقيق التواصل الثقافي ، وربما نساهم في تقارب وجهات النظر ،ولكن المجتمع الثقافي لا يمكن ان يكون بديلا للمجتمع السياسي، اخذين بعين الاعتبار انه مادام هناك التزام بالقانون السياسي ( الدستور الروماني) فليس هناك ضرورة للالتزام بقيم المجتمع الروماني وعاداته وتقاليده .
اذا سألنا احد المسلمين فيما اذا كان هناك قضية تعارض فيها حكم الشريعة، وحكم الدستور الروماني فأيهم يجب أن يلتزم به ؟
بدون الدخول في الأمنيات والنظريات في الواقع انه سيتغاضى عن حكم الشريعة، لان الرد سيأتيه إذا أردت أن تطبق الشريعة اذهب إلى بلد تتوافق قوانينه ودستوره معها، أو أن التزامه قد يكون سببا في طرده من الأراضي الرومانية. وربما سيخبره البعض أن تطبيق الإسلام في الغربة يختلف عنه في الوطن، مع انه لا يوجد في الشريعة نوعان من الإسلام احدهما للغربة والآخر للوطن.
هل نسمي تغاضيه اندماجا او انصهارا ؟
الانصهار هو ان ننسى عاداتنا وتقاليدنا وطقوسنا ونذوب في المجتمع ، أما الاندماج فهو ان نرضى بالتعددية والتسامح ونطالب بها . لا أن نحاول ان نجبر الأغلبية ان تنهج مسيرتنا وننعزل ونتقوقع على أنفسنا.
اوروبا عانت القمع الديني البروتستانتي والكاثوليكي وهي تخاف من عودته بوجه إسلامي ، لا تريد أوروبا ضحايا جدد كالهولندي "نيوفان غوخ" . لذلك فان العرب و المسلمون مطالبون بالاندماج،والاعتراف بالتعددية واحترامها ، والإسلام لا يطالب بإلغاء التسامح .
لذلك يجب أن تكون المراكز الدينية في رومانيا مرا كزا للحوار الديني الذي يقبل التعددية ، كما كانت في التاريخ مراكز التوليدو و قونيا ، و قرطبة مراكزا إسلامية متسامحة تلتقي فيها الديانات، وتتحاور فكريا ،ولا يحاول احدها إقصاء الآخر او القضاء عليه .
ان التعددية يعني اعتياد الفوارق، وهذا الاعتياد هو عامل مهم، ولكن الأهم هو التمييز بين الفوارق النافعة والفوارق الضارة والابتعاد عن الثانية .
حين يطالب المسلمون هنا بأن تسمح لهم البلدية برفع مئذنة في مراكزهم ومساجدهم يأتيهم الرد من الجانب الآخر وهل تسمح لنا دولكم بإنشاء كنيسة والتبشير في أراضيها؟
وحين يطلب من المسلمين أن يناقشوا كتاب" آيات شيطانية" لسلمان رشدي في مساجدهم يأتيهم الجواب وهل طالب احد الكنيسة بمناقشة كتاب "كود دافنشي "او "الاغواء الاخير للسيد المسيح" في ندوة داخلها ؟
نحن نرى ان المطلوب هو تغيير الإنسان والخروج من صحراء التزمت لا تغيير الإسلام .
فالإسلام حين تم فهمه كدين روحاني ،لا كأداة سياسية، اثبت انه كبقية الأديان يسهم في رقي وتطور البشرية والحفاظ على قيمها وأخلاقها . العدالة قيمة وغاية يمكن تحقيقها بكثير من الطرق وليس فقط بقطع يد السارق. فكما أن لله حقوق لدى البشر ، فان للبشر حقوقهم أمام الله .
نرفض كل من يقدم لنا دينا نموت من اجله، فنحن نبحث عن دين كي نعيش من اجله .
الإسلام دين الحوار والإقناع ولم يكن أبدا دين الإكراه العقائدي،
الإسلام استوعب الأديان ولم ينفيها،
الإسلام استوعب حضارات الرومان والفرس والهند واخذ منها .
لذلك يجب ترجمة العقيدة إلى لغة حضارية مفهومة، لكي لا تصبح طقوسا مبهمة، وفكرا متحجرا ،لا يمكن فهمه وقبوله من الآخرين.
القران هو لغة الرب ، ومعانيه هي معاني ربانبة "سر مكنون" يحاول كل أن يفهمها وفق إمكانياته الفكرية وكلما اقترب الإنسان من فهم تلك المعاني الربانية ، اقترب من الروحانيات ، و كشف عنه الحجاب .
القران كتاب مقدس ولكن مناقشته تتطلب العودة إلى التفسير، والتفسيرات تختلف فيما بينها ،فالمحصلة أن هناك اختلاف في الفهم وتنوع في الرأي,
القران خطاب رباني والعقيدة هي شرح إنساني للمعاني الربانية وهذا الشرح غير جامد، والتفسير قابل للتغيير ، أي ان المعرفة بشؤون الدين معرفة ديناميكية مرنة.
من المهم في الدرجة الأولى ان نفهم المعاني القرآنية بشكل حضاري إنساني واقعي لا يجعل التزامنا الديني طريقا لعزلنا عن العالم المحيط بنا . عليننا ان ننطلق في فهمنا الديني من السؤال التالي:
ماهي الغاية التي وجدت الأديان من اجلها؟