يحفل التاريخ الإنساني بمنعطفات وتحولات خطيرة, كان لبعضها الأثر الكبير في تغيير دفة التاريخ وتعديل مساره, وتعتبر الاختراعات البشرية العنصر الفعال وبشكل قوي في تلك التغيرات والتعديلات, بما تفرضه على الواقع من نمط وأسلوب حياة جديدين
الرادار
في بداية الحرب العالمية الثانية 1940 تمكنت القوات الألمانية بقيادة هتلر خلال 44 يوما من دحر جيوش فرتسا وبلجيكا وهولندا, وعبرت السين وأعلنت باريس مدينة مفتوحة وتم احتلالها من قبل الألمان, وتم احتلال معظم الأراضي الفرنسية, ولم يبق إلا عدو واحد لم يتم القضاء عليه, وتصبح أوروبا كلها في قبضة النازية, ألا وهو بريطانيا.
بدأت المعركة مع بريطانيا بتاريخ 28 أيار 1940, وتوالت الغارات الجوية مستهدفة القوات الجوية الملكية, وشن غارات على قوافل سفن البضاعة والشحن وتدمير جميع تسهيلات الموانئ البريطانية, وبدت المعركة وكأن كفتها تميل لصالح الألمان.
كان هتلر واثقا من نصر سريع وحاسم, فقواته الجوية تتفوق على البريطانيين بصورة كبيرة, لكن فجأة ظهر في أجواء المعركة سلاح حاسم غير دفتها تماما, كان الرادار هو ذلك السلاح الذي قلب موازين المعركة, وغير مجرى التاريخ.
يعود تاريخ استعمال الموجات الراديوية للكشف عن وجود أجسام معدنية عن بعد لعام 1904, عن طريق العالم الألماني كريستيان هولسماير, الذي تمكن من كشف وجود سفينة خلال الضباب لكن من غير تحديد المسافة.
بعد ذلك نجح العالم الفيزيائي البريطاني واتسون وات سنة 1940من تطوير جهاز قادرا على اكتشاف الأجسام البعيدة وتحديد مكانها, وأطلق على ذلك الجهاز اسم الرادار.
أدخلت بريطانيا الاختراع الجديد حيز التنفيذ والتجربة خلال هجمات الألمان, وكانت النتيجة مبهرة للغاية لكلا الطرفين.
ساهم الرادار وبصورة كبيرة في تعديل كفة الميزان الحربي لصالح بريطانيا, وتساقطت مئات المقاتلات الألمانية قبل تنفيذ الغارات, واستطاعت القوات البريطانية تكبيد الألمان خسائر باهظة في سلاحهم الجوي, كان له الأثر الكبير بعد ذلك في خروج سلاح الجوي الألماني من معادلة الحرب بصورة كبيرة.
وقد علق الجنرال الألماني فيرنر كريب قائد القوات الجوية الألمانية على اختراع الردار بقوله: كان ظهور الاختراع الجديد (الرادار) الذي كان أسوأ مفاجأة لنا, وساعد هذا الاختراع على مضاعفة قابلية القوة الجوية الملكية, لأنها زودها بإمكانية تحشيد طائراتها وإرسالها لمواجهة طائراتنا المقاتلة والقاذفة حال اقترابها في الوقت والمكان المناسبين.
كان صمود البريطانيين ونجاحهم في التصدي للألمان عامل حسم للحرب العالمية الثانية بعد ذلك, إذ أنه لو سقطت بريطانيا في يد الألمان لأصبحت الحرب منتهية رسميا بنصر ساحق للألمان, ولبسطوا سيطرتهم على أوروبا كلها, ولأخذ التاريخ منحنى مختلفا تماما عما هو عليه الآن.
لكن بعد ذلك اضطرت ألمانيا للتراجع بعد فشلها في احتلال بريطانيا, وتوجه هتلر ناحية الشرق (روسيا) في مغامرة غير محسوبة, عجلت كثيرا بهزيمته ونهايته.