"التكويع" ظاهرة مضحكة مبكية مصطلح يختزل قصة تحول درامي،
"الشبيح" المسكين، الذي كان بالأمس القريب يهتف بحياة القائد المفدى، ويقسم بأغلظ الأيمان أنه مستعد للتضحية بروحه فداءً للوطن والقائد. كان يعيش في عالم وردي، يرى كل شيء جميلاً، وكل من يخالفه الرأي خائناً وعميلاً. كان يسبح بحمد النظام صباح مساء، ويردد شعاراته بببغائية مملة، ويظن أنه بذلك يحقق ذاته ويخدم وطنه.
وفجأة... "بوم!" ماذا حدث؟ لقد استيقظ ضميره! أجل، هذا الشيء الغريب الذي يملكه بعض البشر (ولا يملكه "الشبيح" إلا بعد فوات الأوان) قرر أن يطل برأسه فجأة، ويقول له: "يا هذا، لقد طفح الكيل! لقد كنت أعمى، لقد كنت مغيباً، لقد كنت مجرد أداة في يد الظالمين!".
وهنا تبدأ رحلة "المكوع" الجديدة. يخلع عباءة "التشبيح" البالية، ويرمي بها في أقرب سلة مهملات، ويتنفس الصعداء. يشعر وكأنه ولد من جديد، وكأنه تحرر من سجن طويل. يبدأ بانتقاد النظام بشراسة، وفضح جرائمه، وكشف أكاذيبه. يتحول إلى محارب شرس، لا يرحم ولا يشفق، وكأنه يريد أن يعوض عن كل لحظة قضاها في خدمة الظلم.
ـ"المكوع" مجرد إنسان، ضعيف وهش، تحركه مصالحه ورغباته. تذكروا أنه كان بالأمس القريب يتمتع بامتيازات ونفوذ، وكان يشعر بأنه سيد القوم. والآن، بعد أن فقد كل شيء، يشعر بالحنين إلى تلك الأيام الخوالي. يشتاق إلى رائحة السلطة، وإلى طعم النفوذ، وإلى همسات الإعجاب والتبجيل.
لذا، لا تستغربوا إذا رأيتموه يبحث عن "أفرع" جديدة، وعن أسياد جدد، وعن نظام جديد ليمارس فيه هوايته القديمة: التزلف والتقرب والتملق! إنه كالحرباء، يتلون حسب الظروف، ويتأقلم مع الأوضاع، ويبقى وفياً لمبدئه الوحيد: "مصلحتي أولاً، ثم الطوفان!".
قد يقول قائل: "أليس هذا نفاقاً؟ أليس هذا خيانة؟". والجواب هو: نعم، إنه كذلك. ولكن
من نحن حتى نحكم على الناس؟
من منا لم يرتكب خطأً؟ من منا لم يضعف أمام الإغراءات؟
من منا لم يتنازل عن مبادئه من أجل مصلحته؟
"المكوع"، يا سادة، هو مرآة تعكس لنا حقيقتنا القبيحة. إنه يذكرنا بأننا جميعاً كائنات متقلبة، وأن الولاء عملة نادرة، وأن المصالح الشخصية هي المحرك الأساسي للكثيرين. لذا، فلننظر إلى "المكوع" بعين الشفقة والرحمة، ولنتعلم من أخطائه، ولنحاول أن نكون أفضل منه.
وفي الختام، أقول لكم: لا تيأسوا من "المكوع"، فقد يكون فيه بذرة خير. ولا تثقوا به ثقة عمياء، فقد ينقلب عليكم في أي لحظة. . وتذكروا دائماً أن "التكويع" ظاهرة معقدة، مضحكة، مبكية في نفس الوقت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.
"التكويع" ظاهرة مضحكة مبكية
Typography
- Smaller Small Medium Big Bigger
- Default Helvetica Segoe Georgia Times
- Reading Mode