يقول محمد وهو لاجئ سوري " محامي " : الارض نفسها والهواء نفسه والمحبة نفسها ولكن النبتة لا تسطيع العيش اذا اقتلعت من ارضها ومنبتها ، وخاصة اذا اجتثت اجتثاثا , صعب جدا ان تترك منزلك وعملك واملاكك وحاجاتك وتنتقل بين يوم وليلة من الامن والامان الى التشرد والضياع ، ويصبح فراشك الارض ولحافك السماء ،
والفاصل بينك وبين جيرانك شراشف قطنية تعمل جاهد طول النهار والليل على تثبيتها .
حرارة شهر اب ( اغسطس) لا تدرك انك لاجئ فتزيد من معاناتك ، وانت تحلم ببيت تركته جدرانه تحميك من لسعاتها ، ومكيف يمنحك البرودة والاسترخاء ،
هنا حتى النوم يجافيك ويهرب من عينيك التعبتين ، فالقلق والنوم عدوان لا يلتقيان ، وانت جالس تنظر امامك الى كتل من اللحم سيستيقظون صباح الغد ليطلبوا منك قوت يومهم ولعبتهم ، ويسالونك عن والدتهم التي قتلت ،
ولن تقول لهم بالطبع انها اغتصبت !
.
رفاقك الجدد الخوف والتعب والقلق والحزن والجوع والرهبة ، وذكريات جاثمة على أفكارك يتألم من معاناتها الالم نفسه ، أشلاء ابن جارك ، وجثث اصدقائك ، وصراخ زوجتك ، والطلقات التي اصابتك فاخطات مماتك .جرحى يصرخون ، ودماء تسيل على انغام القذائف والحان الرصاص، تلك المعزوفة اليومية التي اعتدت سماعها في الاشهر الاخيرة من حياتك في موطنك ومسقط راسك .
خيام في صحراء جدباء لم تنصب امامك هنا فقط ، بل نصبت في ارض أفكارك فحولتها الى صحراء جدباء ،تداس بأقدام التعنت و العنجهية التي ارسلتك دون رحمة الى مصير لم تختره بإرادتك.
.ما يخفف عنك العبودية تلك الجموع من معارفك واقاربك واهل بلدك السابقون واللاحقون ، اهل لم تختارهم أنت بل اختارتهم المعاناة لك، ولكنهم اشد لهفة وحنين ومودة ومحبة من اهلك واخوتك ، ومع كل حاجة لمعونتهم تذرف من ماقيك دمعة القهر والامتنان ،
دموعك تتلون فدمعة من الالم تليها دمعة من الشكر واخرى من الحنين ورابعة من القهر والعذاب، تمتزجان لترويان ظمأ الحياة التي اصبحت عليها مرغما . حولك تنظر الوجوه العابسة الباكية الحزينة اليائسة وهي تحاول ان تمسح عن سحناتها ذكريات الرعب وخوف المستقبل .