الجميع هنا متشابهون لاجئون تعساء

قصص
Typography
  • Smaller Small Medium Big Bigger
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

يقول محمد وهو لاجئ سوري " محامي " : الارض نفسها والهواء نفسه والمحبة نفسها  ولكن النبتة لا تسطيع العيش اذا اقتلعت من ارضها ومنبتها ، وخاصة اذا اجتثت اجتثاثا , صعب جدا ان تترك منزلك وعملك واملاكك وحاجاتك وتنتقل بين يوم وليلة من الامن والامان  الى التشرد والضياع ، ويصبح فراشك الارض ولحافك السماء ،

والفاصل بينك وبين جيرانك شراشف قطنية تعمل جاهد طول النهار والليل على تثبيتها .

 

حرارة شهر اب ( اغسطس) لا تدرك انك لاجئ  فتزيد من معاناتك ، وانت تحلم ببيت تركته جدرانه تحميك من لسعاتها ، ومكيف يمنحك البرودة والاسترخاء ،

 

هنا حتى النوم يجافيك ويهرب من عينيك  التعبتين  ، فالقلق والنوم  عدوان لا يلتقيان ، وانت جالس تنظر امامك الى كتل من اللحم سيستيقظون صباح الغد ليطلبوا منك قوت يومهم ولعبتهم ، ويسالونك عن والدتهم التي قتلت ،

 

ولن تقول لهم بالطبع انها اغتصبت !

.
رفاقك الجدد الخوف والتعب والقلق والحزن والجوع والرهبة ، وذكريات جاثمة على أفكارك يتألم من معاناتها الالم نفسه ، أشلاء ابن جارك ، وجثث اصدقائك ، وصراخ زوجتك ، والطلقات التي اصابتك فاخطات مماتك .جرحى يصرخون ، ودماء تسيل على انغام القذائف والحان الرصاص،  تلك المعزوفة اليومية التي اعتدت سماعها في الاشهر الاخيرة من حياتك في موطنك ومسقط راسك .

 

خيام في صحراء جدباء لم تنصب امامك هنا فقط ، بل نصبت في ارض أفكارك  فحولتها الى صحراء جدباء ،تداس بأقدام التعنت و العنجهية  التي ارسلتك دون رحمة الى مصير لم تختره بإرادتك.

 

.ما يخفف عنك العبودية تلك الجموع من معارفك واقاربك واهل بلدك السابقون واللاحقون ،  اهل لم تختارهم أنت  بل اختارتهم المعاناة لك،  ولكنهم اشد لهفة وحنين ومودة  ومحبة من اهلك واخوتك ، ومع كل حاجة لمعونتهم  تذرف من ماقيك دمعة القهر والامتنان ،

 

دموعك تتلون فدمعة من الالم تليها دمعة من الشكر واخرى من الحنين ورابعة من القهر والعذاب،  تمتزجان لترويان ظمأ الحياة التي اصبحت عليها مرغما . حولك  تنظر الوجوه العابسة الباكية الحزينة اليائسة وهي تحاول  ان تمسح عن سحناتها ذكريات الرعب وخوف المستقبل .