لا اعلم لماذا افتح عيني كل صباح على ذكريات الوطن والأحبة في الوطن. دقائق من شريط الذكريات
تمر بالخاطر تحتل الزمن مابين الاستيقاظ والنهوض من السرير.
تترائ لي في أحلام اليقظة غرفتي الصغيرة في منزلنا البسيط وأكاد اسمع أصوات الباعة المتجولين
وصياح الأطفال
وحركة الضجيج
وأبواق السيارات المزعجة.
أشياء افتقدها هنا،
أشياء استبدلتها برنين المنبه
وهدوء الطبيعة،
حفيف أوراق الأشجار،
وزقزقة العصافير.
أتسائل وككل صباح
إلى أين انتمي؟
إلى جذوري
أم إلى واقعي المعاش !
ويختفي السؤال مع بداية اليوم
ليعاودني في الأيام التالية.
ألهتني مباهج الحياة
في السنين التي خلت
عن هذا السؤال
ولكنه اليوم عاد وبقوة بفرض نفسه
و في كل صباح
وأنا باحث
غير واجد الأجوبة السهلة المستحيلة .
آه...................
أوف....................................أ
كم هي صعبة هذه الحياة ؟
وكم هو صعب اتخاذ القرارات ؟ .
وهل أنا قادر على اتخاذ القرارات؟
وإذا حدث فهل هي ممكنة التنفيذ؟
في موطني كنت افتح عيني
على الحلم بالهجرة
وامتلاك سيارة
وزوجة هيفاء القد ترتدي بنطال الجينز وكنت اعتقد إني فرد لا يخطئ،
صالح لكل زمان ومكان،
عارف ملم بكل الأمور،
وان جميع من حولي
اقل مني كفاءة وذكاء
ولذلك فهم يتآمرون ضدي !
وحتى بعيد فترة من مجيئي هنا
كان يتبادر إلى ذهني
أننا معشر الرجال الشرقيين
لا نخطئ
وان قراراتنا صائبة دائما
وإذا لم نتمكن من تنفيذها،
فالسبب هو الآخرون
الذين نعلق عليهم دائما فشلنا
سواء أكانوا أفرادا أم مجموعة
أو نظام وحتى دولا استعمارية
تتآمر على تفشيلنا وحكمتنا.
اكتشفت هنا
أني إنسان عادي،
قليل المعرفة،
محدود الإطلاع،
بسيط التفكير،
كثير الشك،
لااثق بالآخرين
وانتقص من إمكانياتهم
لا ارضي ذاتي.
بعد أن اكتشفت الداء
باشرت العلاج
إلى أن تماثلت إلى الشفاء.
هنا أعدت تشكيل ذاتي
بعد أن تعلمت أن اطرق المواضيع مباشرة دون لف ودوران
آو تملق أو تزلف.
هنا تحولت إلى إنسان آخر،
تخليت عن الكثير
من العادات والتقاليد الموروثة،
وألقيتها في سلة مهملات الذكريات .
غيرت جلدتي
كما يقول لي صديقي "جابر".
ورغم هذا
فمازلت احن إلى الجذور.
ورغم أني احمل جنسية هذا البلد
وأتمتع بالحرية فيه،
فانا دائما
في حالة الدفاع عن الانتماء
وخاصة أمام أولادي
اللذين يرفضون قبول أراء
وعادات غريبة عنهم
بعد أن تعلموا
حرية الاختيار و الاختلاط
وحقنوا بالكثير من العادات،
فبات من الصعب ترويضهم
وإعادتهم إلى بر الأمان.
الدكتور "صادق"
لا يعاني من هذه المشكلة
فأولاده متقوقعين في هذا المجتمع،
لا يعرفون من البلد
إلا أبنية معدودة "المنزل والمدرسة العربية، منازل الأصدقاء العرب
وأماكن التسوق الأسبوعي"
لذلك ألقى باللائمة على
حين طلبت مشورته
واتهمني باني أفسدت أولادي
وعلي أن ادفع الثمن
في الدنيا والآخرة!!
ابنتي "سارة "
يخابرها صديقها في المدرسة
وأنا بنفسي من يرد على الهاتف،
ويدعو "سارة" إلى محادثة صديقها الشاب، ورغم انسلاخي
عن الكثير من العادات والتقاليد،
ورغم تغيير جلدتي،
ورغم انفتاحي،
فلازلت شرقيتي
وحميتي تداعبني بقسوة،
ولازالت أفكاري
ترفض الكثير من الوقائع التي تحدث أمامي وربما هذا ما يدفعني إلى إعادة حساباتي كل صباح باحثا عن جوهري الأصلي.
فانا أتصنت إلى حديث سارة
مع صديقها
والكلمات تنهش من أعصابي، وتخيلاتي تقفز كحصان سارح في السهوب.
واجد نفسي مضطرا للتحقيق مع ابنتي متصنعا اللامبالاة
ناصحا إياها بمتابعة الدراسة
والاهتمام بالحصول على شهادتها الدراسية أولا
متمنيا متأملا
أن لاتكون أفكاري السوداء واقعا.
الهروب العودة إلى الجذور
هو الحل لحماية ابنتي .
ولكن هل ترضى سارة الاغتراب؟
وهل ستقبل بواقع جديد ؟
أم أني سأخسرها إلى الأبد.؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبتها
ماهو الحل؟
ومن هو المخطئ ؟
وماذا افعل ؟
ذكرياتي الصباحية تدق الباب دون استئذان يفرضها واقع معاش وصراع محتدم .
أتيت هنا
وحققت الحلم بان أكون حرا
حققت أحلامي واقتنيت سيارة.
ورافقت أجمل الفتيات
وتزوجت أكثرهم ذكاء
وهاأنا اليوم ابحث لابنتي
عن خلاص من ارض أحلامي !!
أتسائل
هل تخلصت
من سمات شخصيتي الشرقية
كما ادعيت؟
أم أني لازلت اعتقد أني فرد
لا يخطئ
صالح لكل زمان ومكان،
عارف ملم بكل الأمور
وان جميع من حولي
اقل مني كفاءة وذكاء
ولذلك فهم يتآمرون ضدي !